recent
أبحر معنا

المسرح التفاعلي- المفهوم وآليات البناء



العلامات غير اللغوية وأثرها في البناء الفني للمسرح التفاعلي (الرقمي) 

قراءة في عينة تجريبية


 تم تقديم هذه المداخلة في المؤتمر الدولي قضايا معاصرة في الدراسات اللغوية والأدبية والجمالية

يومي 28 و29 مارس 2018 بمكناس-المغرب


المسرح التفاعلي المفهوم والحدود:
دخل الأدب بمختلف أجناسه في المجال التفاعلي مستثمرا التقنيات الرقمية الحاسوبية في نقل متنه إلى العالم الافتراضي، وقد ازداد انتشارا وتأثيرا عبر الشبكة العنكبوتية، وما أتاحته من انتشار كبير لهذا النوع من الأدب المختلف من حيث الوسيط، فانطلق ما اصطلح عليه بالأدب التفاعلي نحو فضاء رحب يقبل الجميع باعتباره منتِجا مشاركا في العمل عبر الوسيط الرقمي، بهذا فالأدب التفاعلي هو في جوهره أدب لكنه متّحد بالتقنيات الرقمية لهذا تعد الإبداعات الأدبية التفاعلية هي "التي تولّدت مع توظيف الحاسوب، ولم تكن موجودة قبل ذلك، أو تطورت من أشكال قديمة، ولكنها اتخذت مع الحاسوب صورا جديدة في الإنتاج والتلقي"[1]، وعبر هذا الاتحاد يزيد هذا النوع من الأدب من قوته التأثيرية وانتشاره كما يضيف أبعادا جمالية أخرى يكتشفها المتلقي عبر مشاركته الفاعلة في العمل. وعبر هذه الخصائص والمقوّمات للأدب التفاعلي نجده يؤسس لآليات جديدة في البناء على اختلاف جنسه كما يقدّم إمكانات جمالية مختلفة حسب طبيعته الجديدة، ومن أجناس الأدب التفاعلي تبرز المسرحية التي تعدّ الأكثر تشعّبا من بقية الأجناس لكونها تحتوي على جانبين؛ النص والعرض، ولكل منهما خصائص مختلفة مما يسبّب ارباكا في البناء وكذا في عمليات التلقي، وهذه الخصائص صعّبت دخولها لعالم التفاعل الرقمي. فهي لا تعدو في مفهومها العام "نمطا جديدا من الكتابة الأدبية، يتجاوز الفهم التقليدي لفعل الإبداع الأدبي الذي يتمحور حول المبدع الواحد، إذ يشترك في تقديمه عدّة كتاب، كما قد يدعى المتلقي/المستخدم أيضا للمشاركة فيه، وهو مثال للعمل الجماعي المنتج، الذي يتخطى حدود الفردية وينفتح على آفاق الجماعية الرحبة"[2]، بهذا تقدّم المسرحية التفاعلية ذاتها كنص وعرض عبر الوسيط الإلكتروني مشركة كل المتلقين في بنائها وتوجيه شخوصها، وهو ما يطرح عدة إشكالات، على رأسها طبيعة البناء وكيفياته، وحدود التجريب في ذلك، وكيف يتم تكييف التقنية والبرمجيات لاستيعاب هذا التعدّد، إضافة لطبيعة المتلقين ومستوياتهم المختلفة في حال إشراكهم في العمل، وعبر هذا التشكيل المعقّد للمسرحية التفاعلية تظهر صعوبة احتوائها بنائيا، فلا يمكن عبرها التركيز عن جانب دون آخر، حيث يتلاحم اللغوي بغير اللغوي، والنص بالعرض، والمؤلف يصبح متلقيا والمتلقي مؤلفا، وهكذا تنقلب العملية الإبداعية وتتحقق دورة تخاطبية لكن في مستوى الإبداع، فالمتلقي ينزاح عن موقعه ويتحوّل من إطاره السلبي إلى دور إيجابي فيساهم في إغناء المسرحية وتوجيهها حسب مرجعياته ورؤيته الخاصة، لتصبح العملية في مجملها تشاركيّة يفقد فيها صاحب المسرحية النواة ملكيّته أمام تعدد المتلقين/المنتجين، وهنا مركز أهمية المسرحية التفاعلية، فهي تخلق بعْدا آخر في عملية التأليف المسرحي وكذا تلقيه، مما يولّد أبعادا جمالية جديدة يضيفها هذا النوع من النصوص/العروض التفاعلية.
كما نشير في هذا المقام إلى المخرج المسرحي واهتماماته وكيف يحوّل العمل النصي إلى عرض، وفي المسرحية التفاعلية تزداد صعوبة عمله لأنه يتعامل مع تعدد نصي ووسائطي كما أن عمله مشترك مع غيره، فالمخرج المسرحي بشكل عام يرتكز في إنتاج عرضه المسرحي على عدة ركائز يصل عددها إلى ثمانية، بداية بالقراءة والفهم الجيد والعميق للنص وصولا إلى التجسيد الذي ينطلق بالتدريبات وبرامج التنفيذ، ثم طبيعة الجمهور ومدى تفاعله، ومن الركائز المهمة نجد تخيّل المعادل التعبيري الصوتي والحركي والسينوغرافي للمشاهد والشخصيات[3]، بهذا فالمخرج هو المحوّل والباعث للنص المسرحي، وفي المسرحية التفاعلية يصبح المخرج متعدّدا بحكم تعدّد المتلقين وإمكاناتهم المختلفة في المشاركة في العملية مما يجعل العمل فسيفساء جمالية لا يمكن حصرها في توجه أو مدرسة أو تصوّر خاص لأنها تلاقح أفكار وتجسيد فعلي للرؤى على اختلافها، فتشكل المسرحية التفاعلية نموذجا عن المساحات الإبداعية الحرة وموقعا للتواصل الإبداعي ومركزا مهما لتقديم فرصة للآخر كي يقول ويشارك، وهنا يبرز الدور التعليمي والتوجيهي لهذا النمط المسرحي، فالمتلقي المشارك مهما كان مستواه يمكنه الاستفادة مما يقدَّم من ملاحظات عن إضافته، وتوجيهات من طرف المختصين المشاركين في العمل، فيصبح الإبداع ملتحما بالتعلّم فتزداد فعاليته.
3- مقوّمات المسرح التفاعلي:
انطلاقا من مفهوم المسرحية التفاعلية تظهر أهم مقوّماتها التي تتعدّد بتعدّد آليات البناء، فبعضها مرتبط بالجانب اللغوي كنص الحوار أو وصف لفضاءات العرض أو تقديم لبعض الأحداث، وبعض المقوّمات مرتبط بالجانب غير اللغوي كالصور والألوان والموسيقى والحركة التي تعد من أهم ما يصوّره المسرح كما يرى (جان بول سارتر)، فالمسرح في عمومه يصوّر الفعل بالدرجة الأولى، والحركة ليست عبارة عن ضجيج وصخب بل هي انتقال الشخصية من موقف درامي إلى آخر[4]، حيث تعمل هذه الحركة على إعطاء تفسير دال يعتمد على النص الملفوظ، وقد تكون مستقلة عنه تماما[5]، وهي في المسرحية التفاعلية أكثر تشعّبا وعمقا لارتباطها بالوسائط المتعددة، وهنا يبرز دور هذه الوسائط في تقديم متن المسرحية، عبر ربط عناصرها، فنصها وعرضها مدمجان وهي في توالد مستمر وغير منتهية، إضافة للعلامات غير اللغوية نجد الجانب البرمجي في المسرحية التفاعلية حيث يتم إعداد صفحات المسرحية باستخدام عدة برامج على الخيار وحسب رغبة المؤلف وطبيعة ما سيعرضه وقدراته على التحكم في البرنامج، وأرى أبسطها برنامج "مايكروسوفت أوفيس فرونت بيج/ Microsoft Office Frontpage وهو يستخدم باعتباره تطبيقا برمجيا لتحرير "HTML" وتصميم وإدارة مواقع الويب[6]. ويعد البرنامج المستخدم سهل التعامل ويمنح إمكانات كثيرة للمؤلف ليضع نواة المسرحية قبل طرحها على المتلقي. كما يمكن الاعتماد على بعض المواقع التي تطرح أشكالا جاهزة للاستخدام كالبلوغرblogger. حيث يمكن الانطلاق من هذه النواة لتقديم المسرحية التفاعلية بكل ما تحمل من روابط.
 أما اللغة البرمجية المستخدمة فهي لغة  "HTML" مع إمكانية التحرير بلغات برمجية أخرى حسب الحاجة ومدى تحكم المؤلف فيها خصوصا إذا كان النص المسرحي التفاعلي يشتغل باعتباره لعبة، فيحتاج للغة برمجية تتناسب وهذا البعْد الفني الخاص كلغة ++C أو C# أو JavaScript. وغيرها مما يختاره المبرمج/المؤلف ويناسب ما يريده من لعبته/مسرحيته، لهذا فالخيارات كثيرة أمام المسرحية التفاعلية لتقدّم ذاتها، للمتلقي ويتفاعل معها. ويعد المتلقي المقوّم الأهم في المسرحية التفاعلية لكونه المنتج الثاني للمسرحية ومن دونه لا يمكن للمسرحية أن تستمر في الحياة، وعبر التركيز عليه وعلى ما قد يرتبط به من متعلقات كأفق توقع أو الترقّب مثلا "وهو مجموعة توقّعات من الجمهور بحسب موضعه وموقع القصة في التراث الأدبي، ذوق الحقبة، وطبيعة الأسئلة التي يمكن للنص الإجابة عنها. ويضاف إلى هذا الأفق خصائص الجمهور الاجتماعية /الثقافية.."[7]، فأفق الانتظار هو النسق المرجعي؛ أي القيم والمبادئ المحيطة بالعمل عند تلقيه وهو مستمر ومتجدد حسب القراء فكلهم يبني أفقه، و من خلالهم جميعا نشكل قراءتنا الحالية، وعبر هذا الأفق يتم رسم حدود النص المسرحي بناء على مرجعيات المتلقي ورؤيته الخاصة، والمميز في المسرحية التفاعلية أن المتلقي يعبّر عن أفقه بكتابته -هو- لأن المسرحية غير منتهية، فالنواة تستفز المتلقي لآفاق توقعية مختلفة يقوم هو بضبطها وتقديمها وهنا مكمن التميّز في صناعة المسرحية التفاعلية، فهي في حدود ما يريده المتلقي أو ما يحبذ أن يستفزه، وهنا يمكن تحقيق اندماج أو انصهار آفاق التوقع –حسب غادامر مع الاختلاف في الزمن- لدى المتلقين في الوقت ذاته، فالمميز في هذا الاندماج حدوثه بشكل متزامن، لكون القراءات في الوقت نفسه وفي اتجاهات مختلفة.
 وبالكلام عن الاندماج نجد ياوس يأخذ هذا المفهوم من غادامر معبرا عنه بأفق التوقع ويعتبره أداة مهمة في إعادة كتابة التاريخ الأدبي، فعبره يتعرف على مختلف القراءات والآفاق منذ أول قراءة للنص حتى القراءة الحالية بذلك يبني تاريخ الأدب الصحيح حسبه. كما يمكن تتبع الجمالية الأدبية وتحققها بمقدار كسر أفق التوقع وانزياحه عن الأفق المعهود؛ أي بمدى تعطيله للتجربة السابقة وتجاوزه لها وتحريره للوعي بتأسيس إمكانات جديدة للرؤيا والتجربة.. [8]، وهو ما نجده مجسّدا في المسرحية التفاعلية فكل متلقي/منتج يكسر أفق التوقع للغير انطلاقا من توجهه الخاص وتستمر العلمية في التوالد المستمر.
كما نشير إلى أن القارئ المقصود للمسرحية التفاعلية من جهة أخرى هو القارئ التفاعلي الحقيقي لا القارئ الورقي التقليدي، فالعملية التفاعلية تتطلّب قارئا خاصا يؤمن بفلسفة التفاعل ويستطيع التجاوب مع البنيات الجديدة وتقبّل الجماليات المختلفة، ويكسر أفق توقع غيره باعتباره منتجا آخر للنص، وهنا تبرز تقنيات مختلفة تجعله يتعامل مع المسرحية التفاعلية، فعليه أن لا يتعامل معها في إطار ثنائية البعد، بل يضيف البعد الثالث الخاص بالعمق والرابع الخاص بالزمن، فالمسرحية متنقّلة عبر الزمن وفي إنتاج دائم، لهذا على التلقي أن يكون ضمن خصوصية المسرحية التفاعلية وخاضع للتعدد الفني الموجود على متنها، ولعل هذا النوع من المتلقين يقترب في شكله وأبعاده مع المتلقي الضمني في نظريات القراءة والتلقي وما وضعه إيزر[9]، خصوصا في بعْده الافتراضي فمفهومه يطابق مختلف القراء  ــ على اختلافهم ــــ  الذين يتمركزون كمنتجين للنص حيث يحدث معهم ارتداد النص بعد استقباله، وتقلب العلمية وتستمر في التوالد والبناء المستمر مع حركية النص وتعدد القراء، فالقارئ الضمني يقترب من التفاعلي في كونه قارئ تجريدي ليس ملموسا ولا تاريخيا ولا معاصرا بل هو قارئ مسجّل ومكتوب داخل النص، فهو يجسّد التوجيهات الداخلية التي تشكل شروط النص و تلقيه، فهو بنية نصية خالصة[10]. بهذا يتحوّل إلى تصوّر ولباس يلبسه المتلقي الحقيقي كلما أراد قراءة النص فيتمثّله ويقدّم له ما يحتاجه وفق ما يمتلك (المتلقي الحقيقي) من قدرات وإمكانات وما يؤمن به من مرجعيات، فالقارئ الضمني بذلك هو عملية تكوين نصي للمعنى المحتمل، يتم تجسيده بالقراءة والتفاعل، وهذا يلتقي مع القارئ التفاعلي في المسرحية التفاعلية فهو يؤسس للمعنى ويضيف على المعطى النصي، فوظيفته أكثر تشعّبا، فهو إيجابي في التلقي حيث يزيد في النص ويضيف مسارات أخرى تجعل من النص المسرحي منتجا. كما نشير أن القارئ التفاعلي موجود في مختلف الأجناس الأدبية التفاعلية الأخرى كالشعر/القصيدة والرواية لكن بدرجات متفاوتة في المساهمة في العملية البنائية للنص، وهو في المسرح التفاعلي أكثر حساسية وتشعبا لكون المسرحية التفاعلية تعرض متنها عبر تعدد الوسائط بشكل أكبر من الأجناس الأخرى، كما تقدّم النص والعرض معا،  مما يعمّق صعوبة التلقي والحاجة إلى معرفة ودراية كبيرة بمختلف الفنون كي تتم عملية التلقي بشكلها الإيجابي والمنتج. لهذا نحن في المسرحية التفاعلية  أمام متلق خاص يتطلّب تقنيات متعددة للتفاعل.
 ومن المقوّمات التي يتم كشفها من خلال مواجهة المسرحية نجد الحبكة وهي موجودة في أي شكل مسرحي، وتعد الحبكة المسرحية مكوّنا مهما في بناء المسرحية، حيث يرى أندري جيد (المسرحي الفرنسي) أن العمل المسرحي هو مجموعة من المشكلات الصغيرة؛ أو هو نتاج لحل تلك المشكلات. ويعتبر (جورج برنارد شو) إن طريقة كتابة أي مسرحية جيدة تنطلق بتحديد الفكرة في موقف درامي، ثم تبدأ عملية التفكير في الخطة[11]، فالحبكة ضرورية لقيام أي عمل مسرحي لهذا تعتمد المسرحية التفاعلية على الحبكة، لكنها حبكة خاصة فهي غير مكتملة المعالم إنما هي مجرّد تثوير مبدئي للحدث، حيث يترك النمو إلى المتلقي الذي يساهم في عملية البناء العام للحبكة وتوجيهها حسب رؤيته ومرجعيّته الخاصة، كما يبرز في بناء الحبكة ظاهرة الصراع وما يحوي من ظواهر داخلية في تجليه، حيث نجد "من أهم ظواهر الصراع المسرحي ظاهرة (الانتقال)؛ أي التحوّل من حال إلى حال، ومن موقف إلى موقف"[12]، وهذه الظاهرة مهمة في المسرح التفاعلي كما في المسرح الواقعي على الخشبة، وربما أهميتها في التفاعلي أكثر لأنها تعبّر حقيقة عن الانتقال الفعلي الآني، ففي المسرح الواقعي العمل منجز ويتم تقديم الانتقال وهو جاهز للعرض، أما في التفاعلي فالكثير من التحوّلات آنية لأن إنتاج النص/العرض مستمر وحاضر في الزمان وهنا يتم تقديم التحوّلات في المواقف حسب القارئ بشكل آني ولحظي، وهو فعليا جديد لكونه لم يدخل في العمل إلا في لحظة القراءة، وهنا مكمن التجريب الحقيقي في المسرحية التفاعلية.
كما تختلف المسرحية التفاعلية في بنائها وحبكتها على الشكل التقليدي أو المعاصر الذي قد يقوم في بعض صوره على شكل منحنى هرمي، في بناء الحبكة، وهو ما عُرف بهرم فيرتاج الذي ينطلق من تقديم ثم لحظة الدفع ونقطة الاصطدام فالحدث الصاعد وصولا إلى الذروة ثم الحدث الهابط والنهاية[13]. في المسرحية التفاعلية الأمر مختلف فتصاعد الحدث لا يعني وصوله للذروة، فقد يأخذ منحى آخر مع أحد المتلقين ويهبط قبل وصوله ليرتفع في نقطة أخرى فمنحى الحدث والمواقف مختلف تماما ويؤسس مساره المتفرّد مع كل مسرحية.
مما تقدّم يظهر أن مقوّمات المسرحية التفاعلية كثيرة وهي تعمل في تفاعل داخلي كي تقدّم متن المسرحية في حالة حركية تسمح للمتلقي بالإضافة والتعديل، ويمكن تقديم ملخص حول أهم هذه المقوّمات وعملها المتفاعل في الشكل التالي:
   4- بدايات المسرح التفاعلي الغربي والعربي:
تقوم المسرحية في بنائها على جانبين مهمّين وهما النص والعرض، وتعد علاقتهما متلازمة ولا يمكن للمسرحية أن تقوم بأحدهما،  كما تعد المسرحية في تمايزها عن المسرح هي "النص المسرحي القابل لأن يُمثّل"[14]،  بهذا يجتمع النص مع العرض لجعل المسرحية تظهر للوجود، فالتلازم ضروري لتقديم المسرحية، التي تعد فنا أدبيا متميّزا لجمعها بين البعْد اللغوي والأدائي المعتمد على العلامات غير اللغوية، والجوانب المتخيّلة، بهذا تدل المسرحية في أحد أوجه مفهومها " على شكل من أشكال الكتابة، يقوم على عرض المتخيل عبر الكلمة"[15]، ويتم عبر تلاحم الجوانب اللغوية بالأداء تحويل النواة القصصية التي تحملها المسرحية إلى واقع افتراضي على الخشبة، مما يحوّل التلقي إلى الجانب الحسي فتصبح الجمالية مختلفة لاختلاف طبيعة البناء، وقد مر المسرح العالمي والعربي بعدة مراحل جعلته يقدّم الكثير ويعبّر عن روح عصره في كل مرحلة، وكان التطوّر على جميع المستويات؛ الموضوعاتية والبنائية التقنية وغيرها من المقوّمات المسرحية، وفي ظل التطوّرات التكنولوجية التي شهدها الإنسان مع نهايات القرن 20 وبدايات القرن 21 انعكس التطوّر على المسرح فاستفاد من مختلف التقنيات الحديثة وهذا على مستوى بناء النص وكذا العرض وآليات التقديم أمام الجمهور، ولم يكتفِ المسرح بكل هذا بل دخل إلى مرحلة جد متطوّرة بإدخاله العمل المسرحي في مجال التفاعل الرقمي (الافتراضي) فأصبحت المسرحية تفاعلية عبر طرحها بتقنيات رقمية برمجية على الحاسوب، ومن ثمة نشرها على الشبكة العنكبوتية، لتصبح في متناول المتلقين الذين تحوّلوا إلى منتجين عبر إضافتهم وتعديلهم لمسارات المسرحية، لكن يظل الطرح التفاعلي للمسرحية يبسط عدة إشكالات على مستوى البناء وكذا التلقي، فالمسرحية بدخولها إلى التفاعل تأخذ بعْدا ومفهوما مغايرا لما كانت عليه، وتجدر الإشارة في هذا الموضع إلى تداخل كبير في مفهوم المسرحية التفاعلية بين بعْدها الرقمي الذي نقصده وبعدها التفاعلي الواقعي كما في المسرح التحفيزي حيث يشارك الجمهور في العرض بتفاعله المباشر والحي مع الممثلين وليس شرطا أن تكون هناك خشبة ومقاعد، ويبدو أن الناقدة فاطمة البريكي قدّمت المسرح التفاعلي في بدايته وفق الشكل التحفيزي!، ثم بدأت الكلام عنه رقميا في العناصر الأخرى بعد ربطها إياه بالتكنولوجيا والثورة المعلوماتية، ويتأكّد جنوحها في البداية إلى التفاعلي /التحفيزي في العنصر الأخير من هذا المبحث حيث قامت بإجرائها مقارنة بين المسرح التقليدي والتفاعلي/التحفيزي[16]، لهذا سنحاول خلال كلامنا عن المقارنة بين الشكلين الإشارة فقط للشكل التفاعلي التحفيزي الذي يعد أحد مستويات التفاعل لكنه غير المقصود، فتوجّهنا أكثر للتفاعلي الرقمي ومن أوجه الاختلاف نذكر مثلا:
- المسرح التقليدي يعتمد على واقع محسوس في التقديم فيتشكل من خشبة وصالة عرض وجمهور... بينما التفاعلي الرقمي قد يقيم عرضه في بيئات كثيرة قد تكون واقعية أو افتراضية.
-المسرح التقليدي يكون فيه الجمهور من النمط السلبي فهم جالسون ويتلقون النص/العرض، بينما في التفاعلي فهم إيجابيون ومشاركون في العرض. فمثلا في المسرحية التفاعلية التحفيزية يتحرك المشاهدون فيدخلون ويخرجون بحرية متابعين الشخصيات[17].
ومن أوجه الاختلاف بين المسرح التقليدي والتفاعلي الرقمي(المقصود) يكمن في تقديم العلامات غير لغوية الذي يكون محدودا بحدود الزمان (وقت العرض) والمكان (الخشبة) لكن هذا يختلف مع المسرح التفاعلي /الرقمي فالزمان والمكان غير محددين إلا افتراضا مما يمنح المؤلف/المتلقي إمكانات هائلة في تحميل نصه/عرضه بما يلزم من علامات لغوية وغير لغوية كالأصوات والصور والعروض الحية وغيرها من الأدوات التي تقدّم دعما للمسرحية التفاعلية وتعطيها زخما جماليا متميّزا وهو ما يجعل تلقيها يأخذ أبعادا كثيرة، وهذا سر فنيتها وجماليتها المختلفة.
إضافة لما تقدّم يمكن تتبع الكثير من الفوارق بين الشكلين المسرحيين لدرجة أننا نصل في بعض المستويات لاعتبار المسرح التفاعلي/الرقمي جنس آخر يختلف عن المسرح بشكل نهائي وذلك لافتقاده لآنية المشهد والتفاعل الحقيقي الواقعي بين الممثلين والجمهور، كما يناقض أهم مبادئ المسرح الكلاسيكي في وحداته الثلاثة، لكننا لن نغالي في اعتباره خارجا عن المسرح بل هو شكل متطوّر له، وضرورة فرضتها التقنية المعاصرة والثقافة الرقمية التي تختصر الزمن والمسافة، فما كان للمسرح إلا الأخذ بها ليرتقي ويصل إلى كل الشرائح محققا أهم أهدافه في التوعية والتعليم والترفيه، كما يعد في شكله الجديد وسيلة استقصاء مهمة لتوجهات الجماهير من خلال تعليقاتهم ومشاركاتهم في العمل، كما يقرّب المسافة أكثر بين المبدع والمتلقي الذي تحوّل بدوره إلى مبدع من درجة ما. بهذا فالتحديات كبيرة أمام المسرح التفاعلي ليؤسس جماليته الخاصة ويوجّه الذائقة إلى تتبّعه بالشكل المطلوب ومرافقة هذا التحوّل الجديد، الذي يبني نفسه بالتكنولوجيا والأدب معا، من أجل تطوير هذا الفن/المسرحية الذي لا يزدهر في عمومه "إلا من خلال التجريب الدائم والمغامرة المستمرة مع الجديد"[18]، لإنتاج شكل جديد، لم يكن من قبل، فالتجريب في المسرح هو مرحلة وسطى بين مسرح سابق وآخر لاحق[19]، فلا يمكن للمسرح أن يستقر عند شكل محدد، وكل تجريب يربط بين ماكان وما سيكون، وفي المسرحية التفاعلية باب التجريب أكثر اتساعا لدرجة أنها مسرحية تجريبية في كل مراحلها لأنها تظل في التوالد التجريبي كلما انتقلت إلى متلق جديد، وهذه القاعدة التجريبية في تقديم المختلف والجديد اتخذتها المسرحية التفاعلية (Interactive Drama) منذ انطلاقتها الأولى عالميا علي يد شارلز ديمر-Charles Deemer الذي يعد رائد المسرح التفاعلي (البداية في الشكل التحفيزي) العالمي منذ 1985 حيث قدّم أولى مسرحياته"Château de mort"[20]، ولو أنها وظّفت تقنيات أكثر واقعية في تحويل العرض من الخشبة إلى الواقع/قصر Pittock وهو مكان حقيقي، كما وظفت عدة شخصيات(14 شخصية) كلها رئيسة ويمكن للمتلقي متابعة قصة أي منها على حدة[21]، وهنا لا يمكن متابعة هذا العمل على أنه تفاعلي بالمعنى الرقمي الذي تطوّر فيما بعد، كما نشير لتجربة المؤلف الثانية في مسرحيته (Seagull)/النورس البحري للكاتب الروسي تشيكوف، حيث حوّلها إلى صيغ "PDF" وربطها عبر الروابط التشعّبية بعد إحداث تعديلات عليها ووضعها في موقع ليتفاعل معها المتلقون، فزوّدها بمفاصل وعقد يمكن المتلقي أن يُبحر في أي فصل من فصولها على الخيار فينتهي بما لا ينتهي به متلق آخر، وهذا ما يمنح النص حيوية ويجعله أكثر تميّزا عن النص التقليدي المائل إلى الثبات[22]، وهنا يبرز من جديد النسق الأقرب إلى السلبي في تقديم المسرحية، فرغم تفاعل المتلقي مع النص إلا أنه لا يستطيع الإضافة للنص الأصل، كما هو الحال في تجارب أكثر تطوّرا ظهرت فيما بعد، فتفاعله مع هذا النص لا يتعدى الانتقال من مستوى إلى آخر في حرية تامة، وتعد هذه التجارب النواة الأولى التي انطلق منها المسرح التفاعلي العالمي، ويمكننا في ما يلي عرض مبسّط لما جاء في مسرحية(Seagull)/النورس البحري التي نشرها ديمر في موقعه/مدونته على الرابط: http://www.ibiblio.org/cdeemer/، بعد الدخول إلى المدونة تظهر أمامنا الشاشة الأولى لتعرض لنا الدخول في أعماله المختلفة وهي بالشكل التالي:
إن أردنا الدخول فما علينا سوى الاتجاه والضغط على إحدى الروابط فنختار الأخير كما هو موضّح فننتقل بالصفحة إلى صفحة أخرى تحتوي على مدخل للمسرحية وتظهر كالتالي:
ويعد هذا الاختيار عشوائي بالنسبة للمتلقي فيمكن الدخول من معبر آخر ونصل إلى مبتغاه، ويظهر في الصفحة عنوان المسرحية في الأعلى كما هو موضح، وبالضغط عليه تظهر صفحة أخرى مقدّمة واجهة المسرحية ومنها ندخل لعالمها وتظهر كتالي:
بالضغط على ابدأ ندخل في الصفحة التي تحيلنا إلى الفصول كالتالي:
ثم إلى صفحة أخرى كالتالي:
في هذه الصفحة يتم إحالة المتلقي إلى عدة صفحات توضيحية منها مثلا شرح ديمر للنص المتفرع والمسرح المتفرع عبر الرابط الأول حيث يؤدي الضغط عليه إلى إحالة المتلقي لصفحة تحمل عدة مفاهيم وشروحات وهي كالتالي:
 ويمكن لأي رابط أن يأخذ المتلقي إلى معرفة جديدة وصولا للرابط الأخير الذي يحيلنا على فصول المسرحية فبعد الضغط عليه تظهر الصفحة كالتالي:
هنا تبرز فصول المسرحية وعبر الضغط عن أي منها نبدأ القراءة دون قيد، فيمكن للمتلقي اختيار أي مرحلة يريد الانطلاق منها، وهكذا تستمر العملية في التوالد، كما نلاحظ في هذه الصفحات الحاملة للحوار وهي اختيارية في تتبع الأحداث احتوائها على روابط تشعّبية داخلية تمنح المتلقي القدرة على الانتقال والغوص في إحدى الشخصيات ومتابعتها بشكل منفرد، لتظهر التفاعلية في منح المتلقي حرية الاختيار في التتبّع. وتستمر عمليّة التوالد والانتقال من صفحة إلى أخرى حسب اختيار المتلقي والشخصية التي يريد تتبّعها، وهذا يعكس مدى قدرة التقنية على تشذير العمل المسرحي ومنح المتلقي مسارات كثيرة للقراءة والمشاهدة، لتبرز مع هذه الطريقة جمالية مختلفة عن القراءة الخطية للمسرحية أو حتى المشاهدة الواقعية، فالمسرحية في هذه الحالة التفاعلية تتماشى والمتلقي أيا كان مستواه وكأنها تتحوّل إلى كائن حي يتجاوب معه آنيا، فعبر النقر واختيار المسار تستجيب المسرحية وتأخذ متلقيها إلى مسار مختلف، وكلما أعاد الكرة دخل إلى وجهة أخرى وهكذا تحقق المسرحية التفاعلية بهذا التشكيل أوجها كثيرة لحضورها، رغم أنها لا تمنح المتلقي في هذه المرحلة المشاركة الفاعلة في الزيادة على النص أو تقديم وجهة نظره إلا أنها تمنحه إمكانية التفاعل معها وتلقيها بما يريد دون إملاءات قبلية وتعسّف ورقي ذو بعديْن.
لكن رغم ما تمنحه تقنية تحويل النص المكتوب إلى مرقمن بصيغة PDF ووضعها في ترابط تشعّبي معقد يمنحها المرونة وسهولة الاختيار من طرف المتلقي إلا أنها تظل تقترب من الشكل والنسق السلبي الذي لا يمنح المتلقي الزيادة في أصل النص أو التعبير عن رأيه في إحدى الشخصيات أو الأحداث، مما يضعّف عملية التفاعل. كما نشير إلى أن ديمر في تجاربه الأولى ابتكر هذه التقنيات قبل ظهور الأنترنت ولغات البرمجيات المعروفة كلغة (HTLM) [23]. إضافة لمسرحيّته المرقمنة نجده في موقعه/مدوّنته يقدّم عيّنات نصية كثيرة وصل ببعضها إلى مراحل متقدّمة من العرض حيث وظف لغات برمجية مختلفة، ومن مسرحياته في مدونته نذكر  The Bride of Edgefield وهي موجودة على الرابط : http://www.ibiblio.org/cdeemer/MeetCast.htm
حيث تظهر بالشكل التالي:
وعبر بداية اللعب كما يسميه صاحب النص ينطلق المتلقي في الغوص في المسرحية وفق خارطة اختيارية، ويمكن الانطلاق من بدايات مختلفة حسب الرغبة كالتالي:
مثلا باختيار مسار D:
كما يمكن الانتقال إلى الشخصيات وحواراتها، وتظل المسرحية في التوالد والتفاعل الحي مع المتلقين مقدّمة شكلا مختلفا من العرض المسرحي. كما نعثر في ذات الموقع على عدة عيّنات مسرحية[24] تفاعلية وهي قابلة إلى التطوّر من خلال تفاعل الجمهور معها. كما نشير إلى مواقع كثيرة قدّمت مسرحيات تفاعلية وفق برامج مختلفة، وبعضها أكثر تخصّصا في تقديم أعمال مسرحية تفاعلية/رقمية تتوالد باستمرار أو تقوم بنقد هذه الأعمال الرقمية ومن المواقع نذكر موقع المسرح التفاعلي الرقمي (Digital Interactive Theatre) ودراسته التي قدّمها بعنوان / دراسة بلاغية- A Rhetorical Study ويمكن متابعته على الرابط:
حيث يظهر في واجهته الشكل التالي:
وعبر الانتقال إلى احدى الخيارات تظهر العروض أو الآراء النقدية والحوارات الداخلية، ومنها مثلا شرح لبعض جوانب ومتعلقات المسرح التفاعلي الرقميDigital Interactive Theatre (DIT) :
عبر هذه المواقع يتم تقريب المسرح التفاعلي أكثر من الجمهور الذي يتفاعل ويتحوّل إلى مساهم في إنتاجه، كما تتيح هذه المواقع تفاعل المحترفين ونقْل الخبرات بينهم، وهذا ما يزيد من توسعة الإمكانات المسرحية من حيث البناء، إضافة إلى المساهمة في خلق جماليات مختلفة من حيث الإضافات التي يقدّمها كل متلق حسب مرجعيته الخاصة.
أما عربيا فالأمر مختلف تماما فالخطوات مازالت مبكّرة للكلام عن مسرحية تفاعلية ولو بالنسق السلبي، وذلك نظرا لعدة أسباب متداخلة؛ حضارية وثقافية وتكوينية للمسرحيين، وبعضها متعلّق بالمتلقي الذي يعاني الغربة القرائية ناهيك عن تفاعله مع الشبكة والإبداع المعروض عليها، ويمكن تلخيص أهم أسباب تأخّرنا في هذا المجال في نقاط محددة كالتالي:
-       الأمية الرقمية، فالكثير من المتلقين العرب لا يعرفون استخدام الجهاز الحاسب ولا الدخول إلى الشبكة.
-       نقص التوعية والتوجيه من طرف الهيئات العربية لبعْث ثقافة رقمية إيجابية بين الشعوب العربية.
-       ضعف التواصل مع التجارب العالمية بسبب الاختلاف اللغوي.
-       قلة الترجمات في المجال مما صعّب الأمر على المتلقي بل على المؤلفين في أن يتحوّلوا إلى التفاعلية في نصوصهم.
-       سيطرة الثقافة الكتابية مما صعّب عملية الانتقال إلى الرقمية.
-       عدم توفر التغطية الكاملة للشبكة مما يجعل الكثير من الشرائح العربية معزولة عن البقية والعالم.
-       ضعف التكوين لدى المؤلفين في مجال المعلوماتية وتكنولوجيا الاتصال
مما يصعّب عليهم تحويل مسرحياتهم إلى الشكل التفاعلي، فأقصى ما يمكن أن يقدّموه هو تحويلها لصيغ مصوّرة وعرضها ككتاب الكتروني، وهذا يجعل من التفاعلية أقل.
-       تداخل مفاهيم التفاعلية وعدم الاستقرار على مصطلح موحّد ناهيك عن المفهوم المضطرب، فهو خارج الرقمية عبارة عن التفاعل الحقيقي الواقعي الذي نرصده في المسرحيات التفاعلية الواقعية أو ما يعرف بالمسرح التحفيزي بحيث يتورّط المتفرج/المتلقي في اللعبة المسرحية في كل مراحلها وأن يناقش ما يراه[25]، وعبر دخوله إلى الرقمية يبدأ الاضطراب فتتعدّد الطرائق والمسارات دون ضوابط موجّهة.
-       عدم تبني المؤسسات المختلفة (معاهد، جامعات، جمعيات ثقافية) التوجه نحو الرقمية والتفاعلية في الأدب عبر تدريس أسسه وتخريج مختصين في المجال سواء مؤلفين أو مخرجين ومسيرين لهذا الشكل الجديد.
إضافة لعدة أسباب أخرى بعضها مرتبط بالحالة الاجتماعية التي يعيشها المجتمع العربي اليوم، وأخرى بالحالة السياسية والثقافية بشكل عام التي تعاني الركود والخمول منذ عقود أمام الحركة الدائمة للآداب العالمية بشكل عام.
لكن رغم كل العوائق برزت بعض التجارب اليتيمة التي قدّمت عيّنة من المسرح التفاعلي العربي في إحدى صوره وأقسامه إنها تجربة "مقهى بغداد" " لمحمد حسين حبيب"/ د. حازم كمال الدين*، وأصدقائه في بلجيكا من العرب والبلجيك، حيث تخلّصت المسرحية من الإطار الشكلي المعروف والمألوف من خشبة مسرح وجمهور، بل كانت مقهى في بلجيكا وأخرى في بغداد وعدد من الأجهزة (كمبيوتر- أجهزة إضاءة- ساحة المقهى هنا وهناك) ثم فريق هنا للمشاركة والمتابعة، وفريق هناك كذلك. قدّمت المسرحية بالفعل في 20 آذار 2006م.[26] عبر هذه التجربة ظهرت البوادر الأولى للمسرح التفاعلي الذي يوظّف بعضا من الأدوات الرقمية، ويمكن تقديم ملخصا حول متن ما دار في هذه المسرحية لغة فقط**  ويمكن تقديم الوصف كما عرضه الناقد "السيد نجم في مقاله- النص الرقمي وأجناسه "[27] أو كما عرض جانبا منه الناقد "سرمد السرمدي في مقال له على جريدة المثقف بعنوان-نظرية اللا مسرح الرقمي للمخرج محمد حسين حبيب"[28]، ويتم تقديم ملخص كالتالي:
في بلجيكا مساء الاثنين يوم 20 آذار 2006 من الساعة السابعة بتوقيت بلجيكا حتى العاشرة مساء، مكان العرض الثابت: مركز الثقافات والفنون مونتي، اعتبارا من الساعة (التاسعة بتوقيت العراق) يتوافد الزوار حتى الحادية عشرة مساء بتوقيت العراق، يقدم عرض عراقي بلجيكي في طريقة تجد طريقها للمرة الأولى إلى المشاهد العربي مع  بيتر فيرهايس مؤسس مشروع مسرح الحرب وحازم كمال الدين مدير جماعة زهرة الصبار للمسرح إلى جانب فنانين عراقيين وأوربيين في عرض مقهى بغداد حيث أهم مفردات العرض التي سيتم تسليط الضوء المسرحي عليها هي السنوات الثلاث التي ابتدأت عام 2003م أي الحرب[29].
وصف خارجي..
طاولة كبيرة. مدير جلسة أو وسيط أو محرّض وزبائن.
خلف الطاولة توجد شاشة كبيرة نرى فيها صور حية من العراق حيث يجري الجزء الافتراضي من المقهى. الجمهور يجلس في نصف قوس حول الطاولة بطريقة يستطيع أن يتابع من خلالها ما يجري في المقهى البلجيكية الملموسة وعلى الشاشة العراقية في وقت واحد. في الشاشة نرى تصميمات تشبه سينوغرافيا الطاولة البلجيكية. عن طريق أجهزة صوت ينشأ مشهد حواري بين من يجلس على الطاولة في العراق وفي بلجيكا. أما المحرض فهو في بلجيكا حيث يقود الحوار بين العراقيين والبلجيك. [30]
تعد هذه المسرحية تجربة فريدة في زمن صعب، فالحركية التي تمتعت بها وتوظيفها لمعطيات التكنولوجيا جعلاها تكون في ريادة المسرح التفاعلي ولو بشكل نسبي من حيث التفاعلية الحقيقية. وللإشارة فمختلف الروابط التي تشير لهذه المسرحية وتحيلنا عليها في العالم الافتراضي (كما قدّمها السيد نجم في مقاله) لا تعمل منها مثلا الرابط:  www.stack.nl/theatreofwar فيبدو أن استضافتها في تلك المواقع انتهت، لكن عبر زيارة مواقع أخرى يتم العثور على البعض ممن تكلّم عن مشاهد هذه المسرحية، ولكن للأسف أغلبها باللغة الإنجليزية مما يصعّب مرة أخرى مرورها للمتلقي العربي بحمولتها الفنية الحقيقية، كما يقف أمام نقل التجربة للكتاب العرب والمخرجين، لهذا فإن المسرح التفاعلي العربي سواء بشكله المرقمن أو التحفيزي أو الرقمي أو التفاعلي الحقيقي يواجه تحديات كبرى ليصل إلى المتلقي العربي، ومن ثمة برمجته على جمالية مختلفة تجعله متتبعا ومشاركا في الإبداع.
من خلال تتبّعنا للتجربة الغربية أو العربية حول المسرح التفاعلي لاحظنا صعوبة التطبيق سواء على مستوى البناء والطرح على الشبكة والتفاعل أو على صعيد الجمالية الجديدة التي يطرحها هذا النص المختلف، لهذا يتطلّب الأمر تكاتف جهات كثيرة لإخراج المسرحية التفاعلية، بداية بالأديب المبدع صاحب الفكرة النواة إلى المُبرمج ثم الفنان (رسام، موسيقي، ممثل، مخرج....) وصولا إلى المتلقي الذي يسقي المسرحية التفاعلية كي تُنتج ثمارها وتظل حية بمرور الزمن، وكل هذا التواصل والتفاعل يجب أن يتم في إطار هيئة ترعاه وتمدّه بأسباب البقاء، كالمؤسسات الجامعية أو المراكز البحثية وغيرها من المؤسسات المهتمة بالثقافة عموما، والهدف الأسمى من الإطار المؤسساتي هو قياس وتسجيل مدى الانتشار ودراسة طبيعة الجمهور والمؤثرات التي توجّهه على المستوى الثقافي والاجتماعي وحتى الاقتصادي والسياسي.
5- العلامات غير اللغوية في المسرح التفاعلي وآليات البناء من خلال عمل تجريبي.
تولد المسرحية التفاعلية من خلال زمنين أوّلهما زمن البناء والثاني زمن التلقي والتوالد لما تصل إلى الشبكة عبر برامج خاصة، وتنبني باعتبارها مولودا جديدا على عدّة مقوّمات وأسس تسمح لها بتقديم متنها وتمنح المتلقي عبرها إمكانات التفاعل الإيجابي، فبعض هذه المقوّمات متعلق باللغة وأكثرها بالعلامات غير اللغوية كالأصوات والصور، حيث تؤدي الصورة -مثلا- الدور الأكبر في الممارسة المسرحية المعاصرة[31]، إضافة إلى الأداء التمثيلي المصوّر وغيرها من الوسائل والآليات التي تعتمد على تقنيات غير لغوية في إيصال دلالتها للمتلقي، وتعد تقنية النص المتفرّع Hypertext أفضل وسيلة في تقديم المسرحية من هذا النوع، فكتابة النص المسرحي التفاعلي عن طريقها هو ما يفتح أمامه أبواب التفاعلية، حيث يؤدي وجود عقد نصية وروابط تشعّبيّة خاصة بكل شخصية من شخصيات المسرحية التفاعلية أو بكل حدث يساعد المتلقي في تتبّع ما أثار اهتمامه دون غيره[32]، ورغم ما تحدثه وتخلّفه العملية من شذوذ وكسر للأفق التوقعي نتيجة لاختلاف المتلقين ومرجعياتهم لكنها تعد تجربة مختلفة تجعل من المسرحية دائمة التوالد لا تقبل البقاء في سكون، شأنها شأن الحياة التي تعبّر عنها، كما تؤسس المسرحية التفاعلية من جهة أخرى لإشكالية تعدّد الأصوات داخلها عندما يتكفّل عدة مبدعين بالكتابة، فكل مبدع سيسير مع شخصية بعينها، ويتكفّل بتطويرها دون تقيّده بغيرها[33] وهذا يُحدث اضطرابا في البناء تابع للتعدّد في الأصوات، وهنا مكمن جمالية هذه التقنية فهي لا تسير وفق اتجاه خطي بل تكسر سيرورة الحدث والفضاء والزمان، وعبر هذه التقنية تظهر العلامات غير اللغوية باعتبارها نواة رئيسة في بناء المسرحية التفاعلية.
5-1- العلامات غير اللغوية في المسرحية التفاعلية المفهوم والحدود: تعد العلامة بشكل عام محور الدراسات السيميائية حيث "يمكن أن تكون العلامة طبيعية أو اصطلاحية، اعتباطية أو معلّلة، مشفّرة أو غير مشفّرة"[34]، ويتشكّل طرفاها من دال ومدلول وهما وجهان مترابطان؛ الدال هو الجانب المادي فيها؛ أي القابل للملاحظة الحسية، والمدلول هو التصور الذهني[35]، وتتحدّد طبيعة العلامة حسب طبيعة الدال فإن كان لغويا – منطوق أو مقروء-فالعلامة لغوية، وإن كان غير لغوي فالعلامة غير لغوية. بهذا تتحدّد العلامة غير اللغوية حسب طبيعة الدال غير اللغوية كاللون أو الأشكال والرسوم والحركة وغيرها من التجلّيات، ونجدها حاضرة بقوة في المسرح التفاعلي باعتبارها جزءا من البناء لا يقل أهمية عن الجوانب اللغوية، فهي ما يمنح المسرحية أبعادا مختلفة للتأويل، كما تضيف مظاهر جمالية إضافية للعمل، وتظهر العلامة غير اللغوية عبر تعالق طرفيها (الدال غير اللغوي والمدلول)، ويمكن تمثيلها بالشكل التالي:
        في المثال المقدّم جاء الدال غير اللغوي عبارة عن لون، وقد يكون صوتا أو حركة أو أي شيء يؤدي دورا علاميا، كما نشير إلى أن العلامة غير اللغوية لا تستقر عند الدلالة الأولى التي تتحدّد عبر التلقي الأولي لها، حيث تدخل باعتبارها طرفا في علامة أخرى تتوالد منها، وهنا نكون أمام الدلالة الحرفية والدلالة الإيحائية، حيث تعد من المفاهيم الأساسية التي أشار إليها بارث في تحديده لطبيعة العلامة[36]، حيث بيّن أنّ عبْرَهما يتم الكشف عن تحوّل العلامة الواحدة من حالة إلى أخرى بدخولها كعنصر في نظام جديد؛ أي يظهر لدينا نظامان، الأول تتشكّل عبره علامة؛ لغوية أو غير لغوية، ثم تصبح هذه العلامة بأكملها جزءا في نظام ثان يشكّل عند تلقيه علامة أخرى مغايرة للأولى، دالُّها العلامة الأولى - بأكملها - ومدلولها تصور ذهني يُنتجه المتلقي[37]. بهذا تتحوّل العلامة من حالة إلى أخرى كلّما دخلت طرفا في علامة  - نظام- جديدة. وهنا سنركّز على العلامات غير اللغوية فقط، حيث تتشكّل العلامة غير اللغوية في حضورها الأول ودلالتها الحرفية، عبر ارتباط دالها غير اللغوي بالمدلول ثم تدخل في مجملها باعتبارها دالا في علامة جديدة، فمثلا في تلقي اللباس الأسود الذي ترتديه النسوة وهن حول الشيخ يحتضر في المسرحية، حيث يعتبر هذا الدال غير لغوي فيرتبط في البداية بتصور ذهني – مدلول- خاص، بهذا تتشكّل العلامة غير اللغوية حيث تربط بين الدال غير اللغوي والتصور الذهني. لكن عبر تتبّع تشكّل هذه العلامة، لا نجدها بالبساطة التي قد نقرأها بها في البداية، فالدال غير اللغوي، وهو اللباس الأسود، في مثالنا، لا نؤوّله مباشرة بل يتم ذلك عبر سلسلة من العمليات التحويلية، فأوّل ما يشاهد المتلقي تلك الألوان واللباس، يدور في داخله كلام معبّر عن ذلك الدال غير اللغوي قبل تأويله، كأن يقول: هن نسوة بلباس أسود وهذا رجل يحتضر... وغيرها من العبارات التي يُترجم بها الدال غير اللغوي، وما إن يتم إنتاج تلك العبارات وهي دوال لغوية – عبارة عن كلام داخلي- إلا وترتبط بمدلولات محدّدة، لتتشكّل مباشرة علامة لغوية، وهي صورة للدال غير اللغوي الذي تم تلقيه أولا. وعليه فأول مرحلة في عملية تشكل العلامة غير اللغوية هو تحوّل الدال غير اللغوي إلى علامة لغوية مكتملة. فكلامنا الداخلي حول الدال غير اللغوي يرتبط بمدلول؛ أي بتصور ذهني حوله، يشكلان علامة لغوية، وبعد ذلك يرتبط الجميع – العلامة اللغوية المشكلة- بالمدلول النهائي للعلامة غير اللغوية، وهذا كلّه دلالة حرفية أولى حيث يرتبط الجميع فيما بعد بمدلول آخر عبر الدلالة الإيحائية، ويمكن التمثيل لذلك بالشكل التالي:
وعليه فالعلامة غير اللغوية لا تتحقّق إلا عبر وساطة العلامة اللغوية، لهذا يصبح العلم الذي يدرس نظام العلامات - السيميولوجيا- جزءًا من علم اللغة، وهذا ما دعا إليه بارث حين قلب اقتراح سوسير حول علم اللغة والسيميولوجيا، فبينما يعتبر سوسير علم اللغة – اللسانيات – جزءا من علم العلامة، الذي بشّر بظهوره[38]، يؤكّد بارث من جهته على عكس المسألة واعتبر السيميولوجيا جزءا لا يتجزأ من علم اللغة، حيث يعد الأخير نموذجا يحتذى في مختلف الدراسات للأنظمة الدالة[39]، ودليله أننا لا نستطيع إدراك العلامات غير اللغوية إلا عبر وسائط لغوية[40]. فيتضح دور اللغة في تأويل العلامات غير اللغوية، وتستمر العلامة بعد مرحلة الدلالة الحرفية، في التوالد والدخول في مرحلة أخرى من العملية التأويلية المتواصلة والمستمرة لتقدّم الدلالة الإيحائية، حيث تدخل العلامة ككل؛ اللغوية باعتبارها دالا والتصور الذهني النهائي - المدلول – في تشكيل علامة جديدة تحتل فيها العلامة الأولى، بكل تعقيداتها وأطرافها، دور الدال. مما يسبب توالد العلامات، كلما دخلت علامة طرفا في نظام علامي جديد. و عبر المثال المقدّم وهو اللباس الأسود للنسوة والرجل الذي يحتضر هي في مجملها دال غير لغوي يتم تلقيه عبر لغة داخلية – دال لغوي - ومن ثم ربطه بتصور ذهني، فتتشكل علامة لغوية انطلاقا منه، كأن نعبّر عن المشهد باللغة ونربط كلامنا (الدال) بمدلول وتصور حول اللباس الأسود، ثم ترتبط  هذه العلامة اللغوية - بما تحمله من تداخل- بمدلول آخر يمثّل المدلول النهائي للعلامة غير اللغوية، كأنْ يحيل تصورنا للباس الأسود للحزن والموت، بهذا نصل إلى نهاية التأويل الأولي للعلامة غير اللغوية، فتتشكّل بذلك الدلالة الحرفية الأوليّة، لتنطلق عملية جديدة نحو الدلالة الإيحائية[41]، حيث تدخل العلامة السابقة بكل تفريعاتها طرفا في نظام - علامة – جديدة، تمثّلُ دالها، وتبحث عن مدلول نهائي، وفي مثالنا حول "اللباس الأسود" التي أحالتنا للحزن والموت في العلامة الأولى، سترتبط بمدلول جديد، قد يكون؛ وجود جريمة، الميراث، صراع، الانتقام، ...إلخ، وذلك حسب المتلقي وتأويله، لتتشكل عبر ذلك الدلالة الإيحائية. بهذا لا يمكن تلقي العلامات غير اللغوية في مستوى واحد بل تظل في التوالد المستمر مقدّمة دلالات جديدة مع كل تلق حسب المرجعية المختلفة، وهو ما يجعل منها مصدرا مهما لتفجير الدلالات داخل المسرحية التفاعلية، كما نشير إلى أن العلامات غير اللغوية تختلف حسب طبيعتها في المسرحية ولكل منها طرائق محددة في الدراسة وتتبّع الدلالة والإيحاء، فدراسة اللون تختلف عن الحركة، ويختلفان عن الصوت، وهكذا تتباين العلامات من هذا الشكل في نوعها وطبيعتها وطرائق معالجتها. ولا تتوقف هذه العلامات على إنتاج الإيحاء، بهذا تكون" العلامة شيء تفيد معرفته معرفة شيء آخر"[42] كما يرى "بيرس CH.S.Peirce  ، فكل علامة تحيل على غيرها، ولا تتشكل العلامة أو تؤدي دورها إلا إذا أدّت إلى تصوير شيء آخر نسميه موضوعها[43]، فالعلامة تستمد وجودها من تحققها، مما يكسبها توالد إيحائي عند المتلقي، ويمكن حسب تصوّر بيرس تتبع ثلاث أشكال وأقسام للعلامة[44] حسب اعتبار محدد (اعتبار الموضوع) وهي؛  الرمز(SYMBOLE) ، "وهو شيء يصحح وجود شيء آخر أو يدل على شيء متواطأ عليه، أو يكون هو المتواطئ عليه نفسه"[45] وعليه فالرمز علامة تجمع طرفيها علاقة عرفيّة كالعلامة اللغوية، وفي المسرح التفاعلي يحظى الرمز بوجود كبير جدا انطلاقا من أن الفعل المسرحي في عمومه هو صورة رمزية عن وقائع معيّنة، فمثلا تظهر حمامات بيضاء ترفرف خلف إحدى الشخصيات وهي تقدّم العون لغيرها، وهي ترمز للنقاء والسلام الداخلي الذي تتمتع به، أو الصحراء وصوت الرياح التي ترافق حكاية البطل المؤلمة وفيها رمز للضياع والقهر والقسوة، وتحدّد أغلب الرموز حسب مرجعيات المتلقي ورؤيته الخاصة. ثم نجد القسم الثاني من العلامات وفق هذا الاعتبار وهي الإشارة  (INDEX)، وهي علامة تربط طرفيها علاقة سببية، كعلاقة الدخان بالنار، حيث يعتبر الدخان علامة على وجود النار، بشرط أن يظهر الدخان وتغيب النار؛ أي لا يظهران سوية[46]. وأمثلة الإشارة كثيرة كما قدّمها "بيرس Peirce" كوردة الرياح وإشارتها لجهة الرياح، أو النجم القطبي وإشارته المحددة لجهة الشمال[47]. نلاحظ أن كل الأمثلة تقدّم ترابط سببي وإلزامي بين طرفي الإشارة/ العلامة، وعليه فطبيعتها تخفي نوعا من الإلزام على خلاف الرمز - كما رأينا-. كما يحيلنا تحديد مفهوم الإشارة إلى أحد أهم مظاهرها وهو المؤشّر الذي يعتبر علامة إشارية لا تتحقق أو تؤدي مهمتها إلا بوجود المتلقي[48]، وعليه فالمؤشر مظهر خاص للإشارة، يُدْخِل دور المتلقي في تشكّل العلامة، وهو ما يرتبط في حدود دراستنا بما تقدّمه المسرحية التفاعلية، فالمؤشرات كثيرة ودلالاتها متشعّبة كحركة البطل وهو يرتطم بالمقاعد في الحافلة حيث تعد مؤشرا للمتلقي أنه أعمى أو نظره ضعيف، أو ما يحمله وزميلته من كتب وصعودهم إلى الحافلة يعمل كمؤشر بأنهم طلبة جامعة، أو اصفرار وجهه دلالة على المرض، وهكذا تعمل العلامة الإشارية على ربط الظاهر غير اللغوي (في عينتنا وطبيعة دراستنا) بما يحيل إليه سببيا مما يجعل من هذا النوع من العلامات كاشفا لأفق التوقع ومقياسا مهما في يد المؤلف والمخرج المسرحي في توجيه المتلقين وإحالتهم على دلالات معيّنة ليُؤسسوا عليها تصوراتهم، ويطرحون من خلالها أفكارهم التي يرغبون في أن تؤثر في المتلقي بكيفيات محددة. أما القسم الثالث من العلامات هو الأيقون (ICONE)  وهو علامة تربط طرفيها علاقة المشابهة، حيث " تمتلك الخصائص التي تجعلها دالة حتى وإن لم يوجد موضوعها"[49]، فالتشابه يجعل المتلقي يستحضر المدلول مباشرة، كالصورة حين نراها ونستحضر – ذهنيا- صاحبها، أو صوت الشخص الذي نعرفه يجعلنا كلما سمعناه نتعرّف على صاحبه، دون حضوره، "فالأيقونات هي التي تدخل في علاقة مشابهة مع الواقع الخارجي"[50]. وقد ميّز "بيرس  "Peirce بين ثلاثة أنواع من الأيقونات وهي: الصورة، والرسم البياني، والاستعارة، حيث تحمل في مجملها جوانب تشابه بينها وبين الموضوع التي تمثّله[51]. ومن الأيقونات في المسرحية التفاعلية بعض الصور في الخلفية كصورة الرئيس مثلا، أو صورة إرنستو "تشي جيفارا التي ترتبط بالتشابه مع صاحبها، ثم تتحوّل إلى رمز للثورة والتمرّد على الطغيان، وهنا نكون أمام تحوّل في العلامات وتداخل في الحدود، فالكثير من الأيقونات تعمل بعد تلقيها باعتبارها رموزا، حيث تتحوّل من حالتها الأولى في التشابه إلى الدلالة الإيحائية حيث تُصبح رمزا يرتبط ببعد ثقافي أو أيديولوجي معيّن عند المتلقي، لهذا تلعب الأيقونات دورا مهما في المسرحية التفاعلية في توجيه التلقي نحو وجهات خاصة وتمرير خطابات محدّدة من خلالها للتأثير فيه وتحويله وفقا لتصور المؤلف والمخرج.
انطلاقا مما تقدّم يظهر أن الأقسام الثلاثة للعلامة، في شكلها غير اللغوي، تعمل على تمرير خطاب مسرحي موجّه لأهداف محدّدة بعضها بنائية وأخرى جمالية، وهنا يبرز دور هذه العلامات غير اللغوية في تكوين ملامح المسرحية التفاعلية لدرجة أنها تعد أهم مكوّن من مكوناتها، ولا يمكن أن تقوم مسرحية تفاعلية من دونها، والمميز في هذه العلامات أنها متاحة للمتلقي الذي يُصبح مبدعا بإمكانه تعديلها أو الإضافة إليها، فمثلا في مشهد موت الأم (الشنق) ووجود خلفية سوداء للصورة يمكن للمتلقي تغييرها وجعلها بيضاء للدلالة على نقاء الأم وأنها لم تنتحر بل قُتلت ظلما، وهكذا يمكن للمتلقي الدخول على خط الإبداع في المسرحية التفاعلية وإضفاء التميّز عن علاماتها حسب مرجعياته، وفي هذه العملية أهمية كبرى في جعل الإبداع جماعي، فهو يصهر ثقافات واتجاهات مختلفة تجعل من جمالية المسرحية فسيفساء جديدة لها نكهتها الخاصة. 
5-2- بناء المسرحية التفاعلية (تجربتي في مسرحية "بلا نظارات الحياة أفضل"):
سأحاول خلال هذا العنصر تقديم عرض مبسّط لكيفية كتابة مسرحية تفاعلية وفق المنظور/المستوى التفاعلي الرقمي، انطلاقا من تأطير النص النواة وتحديد أبعاده باعتباره قصة وحدثا ستتوالد منه المسرحية إلى اختيار برنامج التشغيل إلى وضع خارطة يتم بها توزيع مداخل المسرحية وغيرها من التقنيات المتداخلة في صناعة نواة لمسرحية تفاعلية ثم طرحها على الشبكة بعد رفعها لأحد المواقع. لكن سيتم التركيز على الجوانب غير اللغوية في البناء باعتبارها أهم مكوّن في المسرحية وهي الأصعب من حيث البناء والتلقي وتمرير دلالاتها المختلفة.
أهم مكونات وركائز المسرحية:
-       النواة القصصية للمسرحية:
تتناول المسرحية قصة شاب (ضعيف النظر) عاش حياة قاسية فقد مات والده وهو في سن الخامسة واستولى عمه على الثروة وطرده وأمه وأخواته الثلاثة عاشوا حياة عصيبة هربت أختيه والثالثة انتقلت للعيش عند إحدى القريبات وظل مع أمه إلى أن وُجدت ميتة على أنها انتحرت نقله عمه إليه لفترة ثم طرده، هام على وجهه لفترة إلى أن كفله رجل في القرية لما نجح في الباكالوريا انتقل إلى الجامعة لدراسة الفلسفة، وفي نهاية السنة يحاول العودة للمدينة فتتوقف الحافلة به مع زميلته والسائق ولا يجدون من يقلّلهم بسبب تزامن وقوفهم مع مباراة كرة القدم للفريق الوطني في هذه الفترة (ساعتين تقريبا) يبدأ بسرد قصته لزميلته بكل مآسيها، فهو لا يريد ارتداء نظارته كي لا يرى قبح الواقع، فيقص حكاية جده الأول وأبيه وزواجه من أمه، كما يسرد أحداث وفاة الجد والأب وغيرها من الأحداث، التي يتم تقديمها وعرضها عبر مشاهد مختلفة من حيث طبيعة البناء والموضع داخل الموقع، وطريقة التفاعل معها فنجد:
-       المشاهد المكتوبة.
-       المشاهد المصوّرة بإخراج مسرحي.
-       المشاهد المصوّرة بإخراج تلفزي.
-       المشاهد المقدّمة بالصوت فقط (إذاعيا).
-       روابط خاصة بالمتلقي/المنتج الثاني.
في المسرحية ثلاث شخصيّات رئيسة والأخرى فرعية، وهم الشاب وزميلته وسائق الحافلة. (الأسماء غير مهمة)
-       المكان في الحافلة ومحطات المدينة المختلفة. - الزمان مساء اليوم الأخير من الدراسة.-عُقد الأحداث: الطفولة- الجد- الأم-تحتوي المسرحية إضافة لحمولتها اللغوية الكثير من العلامات غير اللغوية كالصور والأصوات والمشاهد الحية التي تساهم في بنائها الفني وتقرّبها أكثر من المتلقي. -تمنح المسرحية المتلقي إمكانات متعددة لإضافة أو تعديل الأحداث بما يراه مناسبا، كما تقدّم بين يديه مسارات كثيرة للدخول في العمل.
الإعداد:
في البداية قمت بإعداد صفحات المسرحية باستخدام برنامج "مايكروسوفت أوفيس فرونت بيج/ Microsoft Office Frontpage وهو يستخدم باعتباره تطبيقا برمجيا لتحرير "HTML" وتصميم وإدارة مواقع الويب[52]. وهو بسيط في عملية البرمجة يمكن للمبدعين(التوجه الأدبي) أن يحرروا به مواقعهم بسهولة عبر لغة html ويظهر البرنامج عند فتحه بالشكل التالي:
-      
لكن نظرا لمشاكل الاستضافة على الشبكة، ومسألة أمان الموقع، إضافة إلى اضطراب التوافق مع المتصفحات، انتقلت إلى شكل مختلف في تقديم المسرحية وعرضها على الشبكة بشكل أبسط وأكثر أمانا وسرعة وانتشارا وذلك بالاعتماد على المدونات الجاهزة تطرحها بعض المواقع العالمية على الكتاب كي يضعوا فيها نصوصهم، أو يصمموا بناء عنها مواقعهم الخاصة، وهي مجانية منها مثلا:
-       - بلوغرblogger. وهو على الرابط https://www.blogger.com/about/?r=2
-       وهو من إنتاج جوجل.-وورد براس wordpress. وهو على الرابط:https://fr.wordpress.com/
-       وهناك مواقع كثيرة تمنح هذه الإمكانات المجانية في خلق موقع وأرضية لما يريده الأديب التفاعلي ونقدم في ما يلي صورة للموقعين:
-      
وقمت باختيار البلوغر، وشكل خاص يتوافق والمسرحية وقمت بطرحها على الشبكة، كما ربطت المدوّنة بمواقع مختلفة لأوسّع انتشارها، وفي ما يلي سأعرض بعض الجوانب من المسرحية عبر شكلي عرضها؛ الأول عبر موقع خاص والثاني بالبلوغر.
1-  المسرحية في شكلها الأول بعد إدخالها للبرنامج FrontPage وإجراءات جمع بنياتها المختلفة (اللغوية وغير اللغوية) وفق تصوّر إخراجي خاص ثم تجميعها وطرحها في الموقع:
وعن مراحل الإعداد يمكن تلخيصها كالتالي: يتم في البداية فتح البرنامج لتصميم هيكل أولي لنواة المسرحية باختيار عدد الخانات والخطوط والأيقونات وغيرها مما يظهر على الصفحة الأولى ثم انشاء روابط تشعّبية متعالقة معها ومرتبطة بأصولها في عمق البرنامج، كما يمكن للمؤلفين المسرحيين الاعتماد على نواة/تصميم جاهز يقومون بفتحه بالبرنامج وتغيير ما يجب تغييره ليتناسب مع المسرحية التي يريدون عرضها، وهنا تكون العملية أيسر، فلا يحتاج الكاتب إلى دراية كبيرة بلغات الحاسوب/البرمجة كي يغيّر ما يريد، فالبرنامج يتيح له ذلك، ثم تبدأ عملية تحميل الروابط والتفرعات النصية بما يريده المؤلف/المخرج وهنا مثلا نقوم بتعبئة الروابط الأربعة عشر بصفحات متعالقة معها، تحمل الأحداث والحوارات والمسارات الممكنة للمسرحية، كما تضم مسالك خاصة بالمتلقي في تدخله أو تعليقه، إضافة لربط بعضها بين المتلقي وصاحب النواة المسرحية، فكل رابط يُدخلنا في مسار مختلف. ويمكن تقديم مثال على ذلك عبر الدخول إلى المسرحية واختيار رابط فصل "جدي قبل الولادة فتظهر الصفحة كالتالي:
تحمل الصفحة روابط مختلفة ونصوصا لغوية وعلامات غير لغوية كثيرة، فهناك المشهد المصوّر، وكذا الموسيقى المرافقة، والألوان، هذا بحضور النص المكتوب الذي يمكن للمتلقي قراءته أثناء العرض أو قراءته منفردا، كما تمنح الصفحة المتلقي إمكانات التدخل في المشهد بالإضافة والتعديل، كأن يزيد عقدا نصية، أو يعيد أداء المشهد بنفسه وإرساله للمراجعة ثم عرضه في الصفحة، كما يُمنح المتلقي في كل المراحل ملفات تعليمية حول المسرح التفاعلي كما يمكنه من خلال الصفحة التواصل مع غيره من المتلقين أو صاحب النواة أو أي مبدع ومدوّن في الموقع، وتتم القراءة عبر هذا الشكل بطريقة تشعّبية وهي اختيارية تماما ولا وجود لمسارات مفروضة، حيث يمكن للمتلقي الانتقال من عقدة إلى أخرى بحرية تامة، مما يمنح المسرحية مرونة كبيرة في تقديم متنها، وعبر تتبع مختلف الفصول نجد هذا التشعّب النصي والأدائي موجودا بكل عقده، ولولا ضيق الصفحات لقدّمنا عيّنات أكثر.
2- المسرحية في شكلها الثاني عبر مدونة البلوغر blogger.:
بعد عملية جمع أطراف المسرحية بكل مكوناتها البنائية في ثنايا المدونة التي تمنحنا إمكانات هائلة في البرمجة وهي جاهزة للعمل مما يسهّل عملية تحويل المسرحية وطرحها على الشبكة، وبعد حفظها في المدونة ونشرها تبدو في شكلها الأولي في صفحة البداية كالتالي: وهي على الرابط: https://interactive010101.blogspot.com/
وتجدر الإشارة إلى أن مدونة المسرح التفاعلي هي جزء من مدونة أكبر قمت بإعدادها حول الأدب التفاعلي.
وعبر الضغط على أي رابط من الروابط يتم إحالتنا إلى فصل من الفصول أو أي قسم حسب الاختيار مثلا:
وعبر الضغط على رابط آخر –مثلا جدي قبل الولادة- تظهر الصفحة كالتالي وفيها علامات غير لغوية إضافة للحوار اللغوي كالتالي:
إضافة لحمولة الصفحة من علامات غير لغوية كالصوت والحركة والمشاهد، نجدها تحمل وصلات وروابط تحيل المتلقي نحو صفحات أخرى توضيحية حول الأدب التفاعلي عموما، والمسرح التفاعلي بوجه خاص، كما توفّر له الروابط الانتقال إلى صفحات يضع فيها مشاركته ويتم ارسالها، حيث تعالج وتوضع في الموقع الذي يريده، كما تتيح الصفحة التواصل المباشر بين المتلقين والمدونين وتناقل الخبرات، وعلاوة على هذا توفر المدونة بوابة نحو مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة فيمكن للمتلقين التوجه لصفحة الفيس بوك للمدونة أو التويتر أو قوقل بلاص أو قناة اليوتوب الخاصة، وعبر مختلف هذه المواقع التواصلية يتفاعل المتلقون بشكل أكبر ويزداد تداولهم للمسرحية، مما يزيدها انتشارا وهو مطلب الأدب التفاعلي بشكل عام، إضافة إلى دور مختلف هذه المواقع في الجوانب التعليمية في المسرح، فواقعيا يصعب الحصول على ورشات ودورات واستشارات مسرحية وفنية، أما في العالم الافتراضي الذي توفره المدونة يصبح الأمر يسيرا، حيث يتم الربط بين المحترف في أي مكان في العالم بالمتلقي العادي أو الهاوي، أو يتم عبره تبادل الخبرات بين المختصين، لتصبح هذه المنصة مركزا مهما لبعث المسرح التفاعلي وغيره من الفنون والآداب.  
بالنسبة للعلامات غير اللغوية في هذه المسرحية فقد تم توظيف الكثير منها حسب طبيعتها المختلفة، فنجد الصور وهي من مدارس واتجاهات مختلفة، فبعضها تم تنسيقه إخراجيا مع النص وأخرى تم رسمها من أجل النص ذاته، حيث جاءت كخلفية للنص و أحيانا كعنصر من المتن حيث جاء النص بداخلها، لتكون هي النص الأول، إضافة للصور تم توظيف الموسيقى كمرافق للحوار أوحيانا مرافق للحركة التي ارتبطت بالمشاهد المصوّرة، وعبر مختلف هذه العلامات المتعالقة بالوسائط المتعددة، يتم تقديم فصول وأقسام المسرحية حيث حملت هذه العلامات أبعادا دلالية مختلفة لا يمكن تأويلها إلا في حدود التلقي الخاص، ووفق مرجعيات مختلفة وهو ما يزيد المسرحية إنتاجية، كما تمنح المسرحية إمكانات الإضافة والتعديل على هذه العلامات غير اللغوية بما يراه المتلقي مناسبا، لتحقق مبدأ التفاعلية الإيجابي، فهي ليست نواة مغلقة بل مفتوحة على التعدد القرائي والبنائي، وهنا يختفي المؤلف النهائي وتصبح المسرحية ملكا للجميع ووسطا يشتركون في بنائه وتذوّقه جماليا. 
وفي ما يلي نقدّم عيّنة عن بعض المشاهد وحضور العلامات غير اللغوية فيها، وهو جزء من الحوار بين الأخوين بعد وفاة الأب بفترة وكشف نوايا الأخ الأصغر في بيع الأرض:
يظهر الحوار اللغوي مصاحبا للصورة بلونها المائل إلى السواد وهي توحي في مجملها بالفقد والتيه، كما يظهر الحوار مجسّدا بالأصوات في الأسفل، وهنا يتم تأدية المشهد إذاعيا، كما تبرز عبر مواصلة القراءة عدة تشكيلات ورموز مرافقة للنص اللغوي والحوارات بعضها بشكل فلاش ترافقه الإضاءة والحركة، وتعمل جميعها باعتبارها علامات غير لغوية على تمرير خطاب مشفّر يقول الكثير مع كل قراءة.
من المشاهد المكتوبة. /مشهد الافتتاح (المسكين) حيث يتم تحويله إلى عرض خاص من طرف المتلقين عبر الصفحة، كما تُتاح لهم فرصة إضافة علامات غير لغوية باعتبارها جزءا من البناء كاللوحات الخاصة بالمشهد أو حركات معيّنة أو موسيقى خاصة.
مما جاء في النص:
"صعد أخيرا إلى الحافلة المهترئة وخطاه متثاقلة، يبدو أنه لا يريد مغادرة الجامعة، لكنه اليوم الأخير الكل غادر، ككل عام يجتمع الكل كالنمل وينفضوا وكأن شيئا لم يكن، تمتم المسكين ببضع جمل غير مفهومة وهو يصعد درج الحافلة... كاد أن يتعثّر ويسقط، لولا أن أمسكت بيده وهي تقول أخبرتك مرارا أن ترتدي نظارتك أما زلت لا تريد رؤية العالم من حولك، ستقتل نفسك يوما.
فرد عليها: الموت ليس مخيفا كما يبدو
قالت اصعد ودعنا من فلسفتك... سائق الباص الأخير سينفجر غضبا.
قال: لمَ ... مازال وقت المغادرة
قالت: أعرف لكنه آخر باص اليوم وتعلم هناك مباراة الفريق الوطني والكل أمام التلفاز الآن وهذا المسكين ينتظر المغادرة بفارغ الصبر... اسمع هو يحاول التقاط موجات الإذاعة ... هيا أرجوك
قال حسنا ... كرة القدم ؟  لم أفهم لم يحبونها ربما لأنني لا أرى جيدا لا أكترث لها... ربما .. واصل كلامه وهو متجه إلى المقعد رقم 12 في الحافلة...
ما كاد يجلس حتى انطلق السائق بأقصى سرعة نحو المدينة وهو يتمتم بجمل تعبّر عن غضبه... لم يلتقط من كلامه غير عبارة: دائما الأحمق الأخير اللعنة ... الماتش.
ابتسم وهو يجلس على مقعده أخبرتْه بأنهما وحيدان في الحافلة مع السائق.
قال أدركت ذلك فأنا لم أر أطياف الطلبة الكل غادر ...
أتعرفين أن حب كرة القدم من باب حب ما لا نستطيع إمساكه إلا للحظات تلك هي كرة القدم تتدحرج والكل خلفها ولا يمكن لأحد الاحتفاظ بها إلا لثوان وهذا ما يدفع الجميع للنشوة في ملاحقتها إنها تشبه حال الدنيا التي نعيشها بكل حمولتها...."
عبر الغوص في المسرحية من خلال شكل العرض عبر الموقعين نجد عملية التوالد المشهدي تستمر جامعة بين النواة المسرحية بحمولتها اللغوية وغير اللغوية، وهي مترابطة بشكل تشعّبي عمودي يستدعي بعضها بعضا في حركية شبكية لا تتوقف، وفي الوقت ذاته تمنح المتلقي إمكانات هائلة للمشاركة وتقديم رؤاه وأطروحاته حول الحدث أو طريقة البناء أو إعادة تقديم بعض المشاهد الممثلة وفق عرض خاص يتم اعتماده مما قد يدفع بالعمل نحو تفعيل المنافسة بين المتلقين/المنتجين ومحاولة الجميع تقديم الأفضل فنيا، مما يدفع بالمسرحية للتطوّر من جهة ومن جهة أخرى تتحول إلى أرضية إنتاجية ومسرحا لتطوير الكتابة والأداء في فضاء رقمي تفاعلي حضوري آني، كما يمكن ربط المسرحية بالأداءات الحية لبعض الفرق المسرحية سواء في التحضير (البروفا) أو الأداء الحي للعرض مع الجمهور والأمر لا يحتاج الكثير لتحقيقه حيث نضع رابطا خاصا بالعرض عبر كاميرا تفاعلية في المسرح أو بث مباشر لأحد المدونين ويتم نقل العرض والتفاعل معه، كما تمنح المسرحية وسطا لتبادل الأفكار بين الكتاب المحترفين والهواة كما تعد وسطا تعليميا مهما للفن المسرحي من خلال عرضها لروابط تخص المسرح  بكل متعلقاته من المفهوم إلى الأدوات.
وختاما وبعد الانتهاء الأولى والمبدئي من نواة المسرحية بأحداث محدّدة (غير مكتملة)، يتم رفعها للشبكة عبر أحد المواقع أو المدونة كما تقدّم لتبدأ عملية التفاعل الحقيقية التي يمكن تقسيمها بعد فترة زمنية إلى مراحل، مثلا ما تم التفاعل معه من تاريخ 16/11/2017 إلى غاية 28/03/2018 فنجد المسرحية خلال هذه الفترة وصلت إلى حدود معيّنة، ثم تستمر لفترات زمنية أخرى في توالد مستمر مما يعكس حياتها المتجدّدة كما يمنح المتلقين فرصة المشاركة الدائمة والاطلاع على  أفكار بعضهم بعضا والتفاعل مع الأحداث التي ينتجونها على اختلافها، لتتحوّل بذلك المسرحية التفاعلية إلى وسط جامع بين المبدعين والمتلقين/الجمهور فيساهم في تقديم أرضية مهمة لتبادل الأفكار وتقريب وجهات النظر، كما يساهم في التأسيس لجمالية مختلفة تناسب العصر الرقمي التفاعلي.

الإحالات:


[1]  سعيد يقطين، من النص إلى النص المترابط، مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي، المركز الثقافي العربي، بيروت/لبنان، الدار البيضاء/المغرب، ط1، 2005م، ص 09، ص 10.
[2]  فاطمة البريكي، مدخل على الأدب التفاعلي، المركز الثقافي العربي، بيروت /لبنان، الدار البيضاء/المغرب، ط1، 2006م، ص 99.
[3] أبو الحسن سلام، المخرج المسرحي والقراءة المتعدّدة للنص (الجزء الأول)، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، مصر، ط1، 2004م، ص 24، ص25. 
[4] ينظر، مجيد حميد الجبوري، البنية الداخلية للمسرحية، دراسات في الحبكة المسرحية عربيا وعالميا، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان، ط1، 1434هـ/2013م، ص 37.
[5] ينظر، باتريس بافي، معجم المسرح، ترجمة، ميشال ف. خطّار، المنظمة العربية للترجمة، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت لبنان، ط1، 2015، ص 257.
[7] باتريس بافي، معجم المسرح، ص 94.
[8] ينظر عبد الكريم شرفي، من فلسفات التأويل إلى نظريات القراءة، دراسة تحليلية نقدية في النظريات الغربية الحديثة، الدار العربية للعلوم – ناشرون، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص 166.
[9] فولفغانغ إيزر، فعل القراءة، نظرية جمالية التجاوب (في الأدب)، ترجمة وتقديم، حميد لحمداني والجلالي الكدية، منشورات مكتبة المناهل، فاس/المغرب، دط، 1995. ص 34.
[10]ينظر عبد الكريم شرفي، من فلسفات التأويل إلى نظريات القراءة، ص 188، ص189.
[11] ينظر، مجيد حميد الجبوري، البنية الداخلية للمسرحية، دراسات في الحبكة المسرحية عربيا وعالميا، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان، ط1، 1434هـ/2013م، ص 37.
[12] لاجوس أجري، فن كتابة المسرحية، ترجمة دريني خشبة، الناشر مكتبة الأنجلو المصرية، مع مؤسسة فرانكلين، للطباعة والنشر، القاهرة-مصر، نيويورك، و م أ، دط، دت، ص 16.
[13] ينظر، مجيد حميد الجبوري، البنية الداخلية للمسرحية، ص 36.
[14]  خليل الموسى، المسرحية في الأدب العربي الحديث، (تـــأريــخ - تنــظــــير - تـحلـيــــــــــل)، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1997م، سوريا، ص07.
[15] ماري إلياس وحنان قصاب حسن، المعجم المسرحي، مكتبة لبنان ناشرون، ط2، لبنان 2006، ص422.
[16]  ينظر، فاطمة البريكي، مدخل إلى الأدب التفاعلي، ص 97، ص 98، ص 101، ص 110.
[17]  ينظر، المرجع نفسه، ص 110.
[18]  صبري حافظ، التجريب والمسرح، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، دط، 1984م، ص 07.
[19] أبو الحسن سلام، المخرج المسرحي والقراءة المتعدّدة للنص (الجزء الأول)، ص 254.
[20] ينظر، فاطمة البريكي، مدخل على الأدب التفاعلي، ص 101.
ينظر المرجع نفسه، ص 105، ص 106. [21]
ينظر المرجع نفسه، ص 109.[22]
[23] ينظر، المرجع نفسه، ص 101، ص 102.
[24]  ينظر مدونة شارل ديمر، على الرابط: http://www.ibiblio.org/cdeemer/hdrama.htm .
[25]  ينظر، مشروع المسرح التفاعلي، على المدونة : http://artfordevelopment.org/.
*  بين الاسمين محمد حسين حبيب"/ د. حازم كمال الدين اختلاف في الريادة فبعض المتابعين والمشتركين في مسرحية مقهى بغداد يؤكدون ريادة حازم كمال الدين لمشاركته الفاعلة أما محمد حسن حبيب فلا وجود له في المسرحية، ينظر في ذلك مقال بعنوان: ماذا قال الأستاذ سناجلة رئيس الاتحاد قبل أن يشاهد الفيديو وماذا يقول بعدها ؟! وهو منشور في منتديات الشاعر: عبد الرحمن يوسف، على الرابط: http://montada.arahman.net/. وفي الدراسة سنتجنّب الكلام عن البدايات والتأصيل لأنها لا تفيدنا فنيا في التعرّف على هذا الشكل الجديد من العرض المسرحي.
[26]  ينظر، مقال للسيد نجم بعنوان: النص الرقمي وأجناسه، "قراءة في واقع منتج النص الرقمي في العالم العربي"، مجلة العربي الحر على الموقع:  http://www.freearabi.com/.
** نشير إلى أننا لم نستطع تتبّع أبعاد المسرحية الأخرى -غير اللغوية- لأن المسرحية غير معروضة /متوفرة -في حدود بحثنا-الآن كما أنها كانت آنية في وقت عرضها وتقديمها.
[27]  ينظر، المرجع نفسه.
[28]  ينظر الحوار المتمدن، مقال بعنوان: نظرية اللا مسرح الرقمي للمخرج محمد حسين حبيب، للناقد سرمد السرمدي، بتاريخ: 16/06/2012.  على الرابط: http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=312148&r=0 أو جريدة المثقف على الرابط: http://almothaqaf.com/index.php/qadaya2009/65164.html.
[29]  ينظر المرجع نفسه.
[30]  ينظر، مقال للسيد نجم بعنوان: النص الرقمي وأجناسه، "قراءة في واقع منتج النص الرقمي في العالم العربي"، مجلة العربي الحر على الموقع:  http://www.freearabi.com/.
[31] ينظر، باتريس بافي، معجم المسرح، ترجمة، ميشال ف. خطّار، المنظمة العربية للترجمة، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت لبنان، ط1، 2015، ص 280.
[32] ينظر، فاطمة البريكي، مدخل إلى الأدب التفاعلي، ص 100.
[33] ينظر، المرجع نفسه، ص 100.
[34] هاني أبو الحسن سلام، سيميولوجيا المسرح بين النص والعرض دراسة تطبيقية على مسرحي شكسبير والحكيم، (دراسة تطبيقية على هاملت - السلطان الحائر)، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، مصر، ط1، 2006م، ص 47.
[35] ينظر أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات،  دار الفكر دمشق، سوريا، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، ط1، 1416هـ، 1996م، ص 287.
[36] ينظر، محمد السرغيني، محاضرات في السيميولوجا، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 1407هـ، 1987. ص 21.
[37] ينظر ميجان الرويلي، سعد البازعي، دليل الناقد الأدبي، إضاءة لأكثر من سبعين تيارا ومصطلحا نقديا معاصرا، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 2002. ص 182، ص 183.
[38] ينظر، ميشال آريفيه، جان كلود جيرو، لوي بانييه، جوزيف كورتيس، السيميائية أصولها وقواعدها، ترجمة، رشيد بن مالك، مراجعة وتقديم، عز الدين مناصرة، - سلسلة مناهج 2- منشورات الاختلاف، الجزائر، دط، 2002م. ص 29.
[39] ينظر، سيزا قاسم، نصر حامد أبو زيد، أنظمة العلامات، في اللغة والأدب والثقافة، مدخل إلى السيميوطيقا، مقالات مترجمة ودراسات، دار إلياس العصريّة، القاهرة، مصر، د.ط.  ص 53.
[40] ينظر صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر، دار الآفاق العربية، القاهرة – مصر. دط، 1996م. ص 119.
[41] ينظر. محمد السرغيني، محاضرات في السيميولوجيا، ص 23، ص 24.
[42] أمبرتو إيكو، التأويل بين السيميائيات والتفكيكية، ترجمة وتقديم، سعيد بنكَراد، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، ط2، 2004، ص 120.
[43] ينظر، ميشال آريفيه، جان كلود جيرو، لوي بانييه، جوزيف كورتيس، السيميائية أصولها وقواعدها، ص 27.
[44] ينظر، سيزا قاسم، نصر حامد أبو زيد، أنظمة العلامات، في اللغة والأدب والثقافة، ص 31.
[45] محمد السرغيني، محاضرات في السيميولوجيا،  ص 45.
[46] ينظر، المرجع نفسه، ص 37.
[47] ينظر ، محمد الماكَري، الشكل والخطاب، مدخل لتحليل ظاهراتي، المركز الثقافي العربي، بيروت - لبنان، الدار البيضاء - المغرب، ط1، 1991م. ص 51.
[48] ينظر محمد السرغيني، محاضرات في السيميولوجيا، ص 39.
[49]   محمد الماكري، الشكل والخطاب، مدخل لتحليل ظاهراتي، ص 48.
[50] هاني أبو الحسن سلام، سيميولوجيا المسرح بين النص والعرض، ص 51.
[51] ينظر، سيزا قاسم، نصر حامد أبو زيد، أنظمة العلامات، في اللغة والأدب والثقافة، من مقال السيميوطيقا: حول بعض المفاهيم والأبعاد، لسيزا قاسم، ص 31.

المراجع:
1.       أبو الحسن سلام، المخرج المسرحي والقراءة المتعدّدة للنص (الجزء الأول)، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، مصر، ط1، 2004م. 
2.       أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات،  دار الفكر دمشق، سوريا، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، ط1، 1416هـ، 1996م.
3.       أمبرتو إيكو، التأويل بين السيميائيات والتفكيكية، ترجمة وتقديم، سعيد بنكَراد، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، ط2، 2004.
4.       باتريس بافي، معجم المسرح، ترجمة، ميشال ف. خطّار، المنظمة العربية للترجمة، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت لبنان، ط1، 2015، ص 280.
5.       خليل الموسى، المسرحية في الأدب العربي الحديث، (تـــأريــخ - تنــظــــير - تـحلـيــــــــــل)، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1997م، سوريا.
6.       سعيد يقطين، من النص إلى النص المترابط، مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي، المركز الثقافي العربي، بيروت/لبنان، الدار البيضاء/المغرب، ط1، 2005م.
7.       سيزا قاسم، نصر حامد أبو زيد، أنظمة العلامات، في اللغة والأدب والثقافة، مدخل إلى السيميوطيقا، مقالات مترجمة ودراسات، دار إلياس العصريّة، القاهرة، مصر، د.ط.
8.       صبري حافظ، التجريب والمسرح، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، دط، 1984م.
9.       صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر، دار الآفاق العربية، القاهرة – مصر. دط، 1996م.
10.   عبد الكريم شرفي، من فلسفات التأويل إلى نظريات القراءة، دراسة تحليلية نقدية في النظريات الغربية الحديثة، الدار العربية للعلوم – ناشرون، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 1428هـ/ 2007م.
11.   فاطمة البريكي، مدخل على الأدب التفاعلي، المركز الثقافي العربي، بيروت /لبنان، الدار البيضاء/المغرب، ط1، 2006م.
12.   فولفغانغ إيزر، فعل القراءة، نظرية جمالية التجاوب (في الأدب)، ترجمة وتقديم، حميد لحمداني والجلالي الكدية، منشورات مكتبة المناهل، فاس/المغرب، دط، 1995.
13.   لاجوس أجري، فن كتابة المسرحية، ترجمة دريني خشبة، الناشر مكتبة الأنجلو المصرية، مع مؤسسة فرانكلين، للطباعة والنشر، القاهرة-مصر، نيويورك، و م أ، دط، دت.
14.   ماري إلياس وحنان قصاب حسن، المعجم المسرحي، مكتبة لبنان ناشرون، ط2، لبنان 2006.
15.   مجيد حميد الجبوري، البنية الداخلية للمسرحية، دراسات في الحبكة المسرحية عربيا وعالميا، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان، ط1، 1434هـ/2013م.
16.   مجيد حميد الجبوري، البنية الداخلية للمسرحية، دراسات في الحبكة المسرحية عربيا وعالميا، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان، ط1، 1434هـ/2013م.
17.   محمد السرغيني، محاضرات في السيميولوجا، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 1407هـ، 1987.
18.   محمد الماكَري، الشكل والخطاب، مدخل لتحليل ظاهراتي، المركز الثقافي العربي، بيروت - لبنان، الدار البيضاء - المغرب، ط1، 1991م.
19.   ميجان الرويلي، سعد البازعي، دليل الناقد الأدبي، إضاءة لأكثر من سبعين تيارا ومصطلحا نقديا معاصرا، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 2002.
20.   ميشال آريفيه، جان كلود جيرو، لوي بانييه، جوزيف كورتيس، السيميائية أصولها وقواعدها، ترجمة، رشيد بن مالك، مراجعة وتقديم، عز الدين مناصرة، - سلسلة مناهج 2- منشورات الاختلاف، الجزائر، دط، 2002م.
21.   هاني أبو الحسن سلام، سيميولوجيا المسرح بين النص والعرض دراسة تطبيقية على مسرحي شكسبير والحكيم، (دراسة تطبيقية على هاملت - السلطان الحائر)، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، مصر، ط1، 2006م.

المجلات الإلكترونية والمواقع والمنتديات:
   موسوعة ويكيبيديا على الرابط https://ar.wikipedia.org
   مدونة شارل ديمر، على الرابطhttp://www.ibiblio.org/cdeemer/hdrama.htm  .
   مشروع المسرح التفاعلي، على المدونة  www.artfordevelopment.org
منتديات الشاعر: عبد الرحمن يوسف، على الرابطhttp://montada.arahman.net/
.مجلة العربي الحر على الموقع http://www.freearabi.com .
   الحوار المتمدن، مقال بعنوان على الرابط   http://www.ahewar.org
جريدة المثقف على الرابط http://almothaqaf.com 

Reactions:
author-img
الأدب والفن التفاعلي

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent